أرشيف

من يكسب نتائج الحراك في الجنوب.. من يكسب السلطة؟

ثمة حوار يدور الآن مع الحراك الجنوبي يقوم على أرضية الاعتراف بوجود قضية ويفترق في الطرق صوب مشروعين .. الانفصال وهو مشروع تراه بريطانيا حلاً وآخر وحدوي فيدرالي أو بحكم محلي واسع الصلاحيات يمكن من خلال التحاور عن تفاصيله وهو متقارب مع الحل السوداني بين الجنوب والشمال..تقاسم الأرض والحكم والثروة وهو مشروع يتجه صوب الرؤية الأميركية.

والسؤال البدهي هنا من سيمثل الجنوب .. تيار علي ناصر كشريك في السلطة نيابة عن الحزب الاشتراكي الشريك في توقيع اتفاقية الوحدة ام المشترك أم السلطة أم أن للحراك رؤية أخرى..

مغردون خارج السرب

تسعى السلطة لتفريخ كيانات بديلة عن الصوت الأساس المطالب بحقوق المبعدين والمقاعدين على خلفية حرب صيف 94م لتمييع القضية وإخراجها عن مسارها،ويسعى المشترك إلى اللحاق بالركب بعد أن فات عليه تبني القضية الجنوبية كما يصف قادة الحراك.. لم تحاول السلطة الاعتراف بوجود مشكلة في حينه اذ كان يمكن معالجة الأمر ببساطة حسب با صرة إبان توليه رئاسة لجنة معالجة قضايا الأراضي المنهوبة في المحافظات الجنوبية.. ولم يتنبه المشترك إلى أن للشارع آليته القادرة على إيجاد بدائل من وسطه في حال ترك المفترض وجوده المكان شاغراً فكان مجلس تنسيق الجمعيات الخاصة بالمقاعدين والمبعدين آلية او بديل الشارع لقيادة الحراك،ما صعب أمام البدائل«التفريخ »العبور كون المعاني هو ذاته والمطالَب أيضا كذلك.. ربما يبدو المشهد اليوم بالشكل التالي.. السلطة خسرت فرصة المعالجة من قبيل المبادرة والإنصاف والحرص على وحدة الإنسان والانتماء وخسرت المعارضة تبني قضية التف لها الشارع في المحافظات الجنوبية..

التغيير يبدأ من الجنوب على امتداد تاريخ اليمن السياسي ما يضع أسئلة حول احتمالات انتقال عدوى الحراك إلى المحافظات الشمالية وأسئلة أخرى حول استفادة الجانبين السلطة والمعارضة من فشل رؤيتيهما للتعامل مع القضية الجنوبية

ربما كان أخطر ما ينبغي التركيز عليه اليوم بوعي غير عادي أن أمام السلطة فرصة واحدة وكذا المعارضة..أمام السلطة الاعتراف بالمظالم بطول وعرض البلاد وهو أمر صارت في مواجهته فرصة تجزئة الصوت وما شابه قديمة بعد مؤتمر التصالح والتسامح لمتضرري الجنوب وتوحدهم تجاه مُطالَب واحد ومطالب واضحة سمح التراخي واللامبالاة بتراكمها حتى باتت تصيِّر التهمة بالانفصال حقا له أشياعه.. أمام السلطة المسارعة بالاعتراف بوجود القضية  والجلوس على طاولة حوار.. وأمام المعارضة فرصة حياة ربما في تبني الحراك شمالا والتقارب مع الحراك الجنوبي لتوحيد القضية والمطالب حرصا على وحدة بلد وفرصة موت أكيد في حال التراخي عن تبني قضايا الشارع الحيوية والمصيرية معاً.. الأمر يختلف في درجة الوعي وبالتالي آليات التعامل.. الحراك الجنوبي لايشبه الحرب في صعدة فالتحرك السلمي محرج للرصاص الحي والطوارئ ومواجهة المدنيين المحتجين بالوسائل السلمية اقرب الطرق لتجييش العالم ضد النظام الذي لا يعي ذلك كما تبين من أوكرانيا وحتى أميركا اللا تينية مروراً بافريقيا فلن تجد من يعينك على انتهاك حقوق الناس ومصادرتها مع حرياتهم لان حجة المسلح ضعيفة أمام الأعزل والناس ليسوا في صف المسلح وان أرعبهم الموت مرة فإن ذلك يحررهم من رعب المواجهة التالية..

الحراك بدايات لم تكن عابرة

كانت مسيرة حضرموت التي قادها باعوم مطلع الألفية بداية أو جرس إنذار لكن أحداً لم ينتبه أو لم يرد أن ينتبه.

ليس امرأ عاديا ان تنطلق مسيرة من منطقة هي الأكثر هدوءا دوما وأكثر مسالمة، لكن الجانبين سلطة ومعارضة تعاملا معها بذات القدر من العادية المعتادة..

في العام 2002م بدأ شباب محافظة الضالع يناقشون قضية تقارب المتضررين وتوحدهم من أجل تحقيق المطالب..

كانت الأطراف هي تلك التي شهد المسار من قيام الثورة إلى الوحدة اختلافها وتصارعها "على أساس من الرؤى الوطنية المتباينة.. أما القضية فهي القضية الجنوبية.

تعرف القضية الجنوبية اليوم بأنها قضية أولئك الشركاء في الوحدة الخارجين من حساباتها أرضا وثروة ووظيفة وحكم.

المتابع للأحداث يجد ببساطة أن عمر أي كذبة سياسية لا يزيد عن 14سنة وليست مختلفة عن ذلك مسألة الانفصال وكيفية توظيفها أيضاً بل أن الكارثة الانكى هنا هي التعامل مع المطالب ذات الطابع الحقوقي على أساس تهمة الانفصال الأمر الذي جعل من تكريسها سببا في تولد رد فعل عكسي يتلخص في جعل الانفصال حقا بدلا من أن يكون تهمة كما يتضح من خلال الخطاب الأوسع داخل الحراك الدائر في الجنوب اليوم..

الحراك الذي يجري في المحافظات الجنوبية اليوم لم يعد – من وجهة نظر خبراء السياسة- يحتمل النظر اليه من زاوية "شغمة انفصاليين يشتوا يعملوا زحمة" كما جرت العادة.. المشكلة بدأت من رؤية تشبه مسالة تصفية الجيوب الشيوعية لحساب القطب الواحد بعد نهاية الحرب الباردة دهم دولة لدولة غاب القطب الذي تنتمي اليه بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتسبب إعلام اليسار المعتاد حينها اللعب كأخطر جبهة عسكرية في تنامي الرغبة للتخلص من الرعب الذي تمثله قاعدة العند كصمام أمان يساري يمنع زحف اليمين الرأسمالي.. المعركة إذا ليست وفق بعد واحد كما رجح الخبراء العسكريون  والساسة المتمرسون حينها هذه النظرة كشفت وحدة ألمانيا هزالتها وعيوبها حيث خصصت ألمانيا الغربية مبلغ 200مليار مارك الماني كأول محطة لإزالة الفارق ومعالجة أضرار تحول الشرقية من القطاع العام إلى اقتصاد السوق الرأسمالي.فيما كان الفيد سيد الموقف في حرب صيف 94م اليمنية.. الخطاب الرسمي المحلي يعلم تفاصيل العلة أيضاً فالأمر لا يختلف كثيراً عن توصيفه مسالة العراق التي وصفها الخطاب بأنها نتيجة استبعاد المؤسسة العسكرية وكادر الحزب الحاكم قبل الغزو من الخدمة حولهم إلى مقاومة.. لكن هذا الخطاب لم يقبل بسهولة مسالة أن ماجرى هنا لا يختلف كثيراً فالشركاء في تحقيق الوحدة اليمنية استبعدوا من الخدمة وخصخص القطاع العام ولم تحل مشكلات منتسبيه وسيطر المتنفذون على مساحات من الأرض بقدر مساحة دولة وبطريقة النافذ يملك حيث شاء النفوذ في قلب عدن والمواطن هناك يعوض خلف الشمس ان حصل على فرصة تنفيذ للحكم أو التوجيه بالتعويض.. السؤال الملح هنا لم لم يعمل هؤلاء – النافذون لصالح التواؤم وتعميق الروابط..

الانفصال من الاتهام إلى القضية

هؤلاء انفصاليون.. حسنا لم لا يشترى ولاءهم بمنحهم حقهم دون زيادة طالما أن آخرين دخلوا الحرب لغرض الفيد

لم يكن الشطر الجنوبي سابقاً متطفلاً على الوحدة ولا سيئ النية من وجهة نظر حراك الجنوب فهو قد تنازل عن الأرض والثروة والحكم. ولم تكن السلطة على خطأ من وجهة نظرها حين سارت الى الحرب لأنها كانت تدافع عن الوحدة.. هنالك فارق في الزمان بين الحادثتين لم يتم تقريبه من خلال النقاش والطرح داخل البرلمان كما هو تقليد أي بلد تعددي بل تحرك المدافعون عن الدين كما اعتبروا أنفسهم منذ الستينيات من منطلق أن الآخر كافر فيما تحرك الجيش تحت مظلة الدفاع عن الوحدة والشرعية والفتوى لتكون النتيجة مباعدة بين الحادثتين ليس على عقارب ساعة التاريخ بل في أعماق نفوس الناس ذاتهم.. فالحراك يرى أن قضية الجنوب نتجت عن حرب غير ضرورية والسلطة ترى أن الحرب كانت ضرورية ولا ترى القضية.. كنا شعب واحد في شطرين فصرنا وطن بشعبين – يقول الشاعر عبد الله البردوني في توصيفه نتيجة حرب صيف 94م. في النفس شيء إذا لا تحله المدفعية والصواريخ بل الإنصاف والاعتراف بأن هناك مشكلة.. كان الرئيس في خطابه بذكرى عيد الـ14من أكتوبر 2007م ذكر ان هناك أخطاء حدثت إبان وبعد الحرب في مسالة ترتيب الأوضاع لكن نافذا لم يقدم تنازلا في منهوب فيما تنازل حكام في الشطر الجنوبي  سابقا من اجل الوحدة عن استحقاقهم في الحكم  من هنا يحصرك الخطاب الجنوبي اليوم فبم يمكنك أن ترد.

يسعى تيار علي ناصر الى تبني القضية الجنوبية من موقعه كشريك في السلطة ومتواجد بقوة ضمن المؤسسة العسكرية ومتماسك بأكثر من عامل ومؤهل ربما أكثر من غيره في حال اختلت الأمور للوصول إلى الحكم ومن هذه الأرضية ربما يسعى بمطالب يرى أنها تتسع لتشمل مطالب الحراك الجنوبي.. وتسعى المعارضة إلى اللحاق بالركب لطرح رؤيتها حول القضية الجنوبية كشريك في الحراك وفيما يغتلي الحراك أكثر ويزحف أكثر نحو الشمال بحسب مراقبين تصعد السلطة لهجة الخطاب وهي الإشارة التي باتت معروفة انها تتواكب عادة مع قبول الحوار..

مالم تحسب حسابه جميع الأطراف اذا أن يتوحد الحراك ويحتوي كافة الأطياف على أساس الضرر بعيداً عن متراجحة سلطة ومعارضة أو تفاصيل الطيف السياسي فهل نتوقع ظهور كيان جديد من خلال هذه الأرضية الجديدة.. أم ترانا نجدنا بين خياري حل دولتين أو تعديل دستوري واسع يوجه البلاد نحو الفيدرالية لكن بكيفية ضاغط خارجي لا وفق خيار محلي بدلاً عن وثيقة العهد والاتفاق كخيار محلي لشكل دولة الوحدة التي رحلتها الحرب إلى زمن يعلمه الحاكم واتساع الحراك.. كان الحزب الاشتراكي اليمني الشريك في الوحدة ومن خلال قيادته بزعامة علي سالم البيض حاولت تكريس مبدأ القسمة على اثنين وثلاثة من خلال اعتماد مجلس رئاسة جاء بالإصلاح إلى السلطة كشريك ثالث لكن الأخير خاض حرباً ضد المشروع للخروج من ذلك الموقع كما ساهم تعديل الدستور بعد الحرب في إعادة البلاد إلى ما قبل مايو 90م.. الظرف اليوم يحتاج القسمة على اكثر من واحد وترى تعديلات مبادرة السلطة عكس ذلك لكن هل حقاً يمكن للسلطة الحالية القبول في الزمن الصعب بما قد يفرض الحراك وهي من شنت حرباً ضد هذا المبدأ قبلاً وإن كانت مبادرة الحكم الرئاسي حوت ضمنياً اعترافاً بأن ما كان يستحق الحرب لم يكن صحيحاً في اتجاه شكل النظام وان بإشارة من نوع ما.. الأمر متروك للأيام القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى